تصدرت جمهورية جنوب السودان وهي أصغر دولة في العالم، خلال السنوات الأخيرة، عناوين الصحف بسبب الصراع المسلح الذي طال أمده والذي عصف بالبلاد منذ ديسمبر 2013.
ومع ذلك، وبالرغم من التحديات التي يطرحها النزاع، فإن هذا البلد غير الساحلي الذي يقع في وسط وشرق أفريقيا يعمل مع منظمة الأمم المتحدة للبيئة وشركاء دوليين آخرين لمعالجة عقود من التدهور البيئي.
ففي يوم البيئة العالمي، ترأس النائب الأول لرئيس دولة جنوب السودان تابان دينق غاي إطلاق تقرير حالة البيئة والتوقعات في البلد، وهو الأول من نوعه للبلاد. وجاء هذا المنشور نتيجة لدراسة مشتركة أجرتها الأمم المتحدة للبيئة ووزارة البيئة والغابات في جنوب السودان.
ويقر التقرير بأن الصراع الجاري في جنوب السودان "هو العائق الرئيسي أمام الإدارة الرشيدة والاستخدام الإنتاجي للموارد الطبيعية وحماية الأصول البيئية في جنوب السودان".
وهو يسلط الضوء على الافتقار إلى مؤسسات فعالة لحل النزاعات بشأن ملكية الموارد الطبيعية بطريقة سلمية وتحديات الملايين من اللاجئين والعائدين والمشردين داخليا. كما يلاحظ التقرير أن تغير المناخ والأخطار الطبيعية قد زادت من تعقيد الوضع البيئي الذي يواجه جنوب السودان.
ويعتمد 80 في المائة من السكان في جنوب السودان على زراعة الكفاف لكسب عيشهم. ومن المقدر أن يساهم اعتمادهم الكبير على حطب الوقود والفحم في معدل إزالة الغابات السنوي الذي يتراوح بين 1.5 و 2.0 في المائة.
ويسلط التقرير الضوء على الكيفية التي يمكن أن يؤدي بها تغير المناخ إلى تفاقم الوصول إلى المياه المأمونة، مما يؤدي إلى سوء الصرف الصحي وانعدام الأمن الغذائي.
ويضيف التقرير أن "قطاع الزراعة المزدهر، الذي يعتمد على جدوى موارد الأرض والمياه، هو أمر حاسم لتحقيق السلام والتنمية على المدى الطويل". ﮐﻣﺎ ﯾوﺻﻲ التقرير ﺑﺿرورة ﺗﻧﻔﯾذ "ﺗداﺑﯾر اﻟﺣد ﻣن ﻣﺧﺎطر اﻟﮐوارث واﻟﺗﮐﯾف ﻣﻊ اﻟﻣﻧﺎخ ﻟﺑﻧﺎء ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻣﻧﺎﺧﻲ مرن".
الحياة البرية في جنوب السودان
غير معروف للكثيرين، يشهد موقع بوما – جونقلي المعروف بالمناظر الطبيعية الخلابة في جنوب السودان، الذي يغطي مساحة 200,000 كيلومتر مربع، هجرة موسمية رائعة من منطقة الكوب الأبيض، تيانج، وغابة مونغالا. وهذه الهجرة هي واحدة من أكبر ثلاث عمليات هجرة للحيوانات في العالم بعد هجرة الحيوانات البرية في شرق أفريقيا ومنطقة كاريبو في ألاسكا.
كما تعد المناظر الطبيعية موطنًا لـلساد، وهي واحدة من أكبر الأراضي الرطبة الاستوائية في العالم وتستضيف أكبر منطقة سافانا مشجرة في أفريقيا.
وتواجه البلاد أيضا العديد من التهديدات من لحوم الطرائد، والاتجار غير المشروع بالعاج. ويعتبر إنتاج الفحم النباتي وتغير المناخ المتنامي بصورة سريعة من بين التحديات البيئية الأخرى.
وفي عام 2017، أصدرت جمعية المحافظة على الحياة البرية تقريرًا يحذر من أن الظباء النمورزية معرضة للخطر بشكل خاص أثناء عبورها لمناطق النزاع في طريق الهجرة السنوي من متنزه بادنجيلو إلى منطقة الساد والعكس. وقد كان مصير الأنواع المقيمة مثل الزرافات والفيلة الظباء والجاموس أكثر خطورة من مصير الأنواع المهاجرة. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، قُدرت أعداد الزرافات والأفيال بنسبة تتراوح بين 99.7 و 97 في المائة على التوالي. وحاليا، هناك ما يقدر بنحو 300 زرافة وأقل من 2500 فيل متبقي في البلاد.
ولا تقتصر التحديات التي تواجه جنوب السودان على استنزاف الحياة البرية وحطّ البيئة فحسب، بل أيضا تعرّض فرص الحصول على سبل العيش من السياحة الإيكولوجية للخطر.
بناء مستقبل أفضل
ورغم التهديدات، أشاد الرئيس سالفا كير ميارديت بنتائج التقرير لأنه يضع الأسس لحماية البيئة في جنوب السودان.
وقال الرئيس مايرديت."من الجدير بالذكر أن تقرير حالة البيئة والتوقعات البيئية الذي يعد الأول من نوعه لجنوب السودان سيشكل الأساس والمعيار لعمليات التقييم والمخزونات ورسم خرائط مواردنا الطبيعية الهائلة. وسيتم استخدام المعلومات التي تم إنشاؤها للتخطيط وإدارة الموارد الطبيعية وحماية البيئة في المستقبل".
وجدير بالذكر أن منظمة الأمم المتحدة للبيئة تشارك في خلق وتطوير الوعي البيئي على المستوى الوطني لدعم حكومة وشعب جنوب السودان منذ عام 2009.
وقال السيد إريك سولهايم، المدير التنفيذي للأمم المتحدة للبيئة: "لقد كانت الحرب في جنوب السودان مروعة للغاية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في تكلفة المعيشة على المدنيين". "ويوضح هذا التقرير مدى أهمية ضمان إدارة موارد جنوب السودان بشكل جيد وتمهيد الطريق لإعادة البلاد إلى طريق السلام".
ويتيح إطلاق التقرير، الذي لا يكاد يتعدى شهر من الذكرى الثامنة لاستقلال البلد، فرصة لإحياء الدعم من أجل حماية بيئة جنوب السودان المعترف به بصورة حقيقية في نشيده الوطني بوصفها "أرض الوفرة الكبيرة".
ويوصي التقرير بتعزيز المؤسسات، لا سيما وزارة البيئة والغابات، لضمان حماية الموارد الطبيعية في جنوب السودان. كما يحث على استخدام الموارد الطبيعية كمنصة لبناء السلام من خلال تحسين المساءلة والمشاركة المجتمعية وتوفير آليات أقوى لتسوية المنازعات.
تعرف على المزيد حول عمل منظمة الأمم المتحدة للبيئة في الأسباب والنتائج البيئية للكوارث والنزاعات.