ي صباح أي يوم في محلية الرهد في السودان تتزين النساء مثل حواء عبد الله بملابس ذات ألوان ساطعة، يمكن أن يُشاهدنَ وهن يحفِرن ويقلّبن تربة أراضيهن أو ينثرن البذور وهن على الجرارات. ومع أن المشهد قديم فإن عدد النساء – المزارعات – وتلك اللواتي يزاولن الأدوار التقليدية للذكور قد تزايد عددهن من جراء آثار التغير المناخي والتدهور البيئي. وقد عانت الرهد، التي تقع في ولاية شمال كردفان، مثل غيرها من الأقاليم الأخرى في منطقة الساحل الأفريقي، من ارتفاع درجات الحرارة والتوزيع غير المتساوي والتقلب في مستوى هطول الأمطار، والجفاف. وبالمقابل فإن هذا الوضع قد أثر على سبل كسب عيش الرعاة والمزارعين مما دفع الرجال إلى الهجرة للعاصمة الخرطوم أو لغيرها من المدن بحثاً عن العمل.
ومن الناحية الأخرى فإن النساء اللواتي كانت أدوارهن التقليدية تتمحور حول العناية بالأطفال وأداء الأعمال المنزلية، قد انتقلن إلى أداء دور من يعول الأسرة ومن خلال استئجار حقول للمواشي والمحاصيل صرن قادرات على بيع السلع في الأسواق وكسب دخل صغير.
وللمساعدة في معالجة آثار التغير المناخي تم تنفيذ برنامج مشترك يحمل اسم "تعزيز النُهج المراعية للنوع الإجتماعي في إدارة الموارد الطبيعية من أجل السلام في شمال كردفان" بواسطة برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي؛ أمضى المشروع العامين السابقين في تدريب النساء، مثل حواء عبدالله على الزراعة وإدارة الموارد الطبيعية وفض النزاعات.
“وقالت سيليا هالي، منسقة البرنامج المشترك "إن النساء صرن يقفن في الخطوط الأمامية من التغيّر المناخي والنزاعات الناتجة عن التغيّر المناخي." وأضافت "أن التغيّر المناخي يقود إلى إحداث نقلات في أنماط كسب العيش تؤدي إلى أن يهاجر الرجال بعيداً عن مجتمعاتهم للعثور على فرص عمل بديلة أو تغيير أنماط الهجرة، بطريقة تجعل النساء يبقين في مجتمعاتهن بدلاً عن السفر مع الرجال".
بذل المشروع جهوداً في تدريب النساء على استخدام تقنيات الزراعة بالري المطري، وحصاد الصمغ العربي – الذي هو من الصادرات الأساسية للمنطقة، والحصول على أرض من خلال الإدارة الأهلية، والحصول على بذور السمسم والذرة من وزارة الزراعة والحصول على سلفيات من مؤسسات مالية.
وكشفت دراسة أجريت عقب نهاية المشروع أن 87% من النساء المشاركات تحدثن عن وجود زيادة في الدخل من المحاصيل التي قمن ببيعها في السوق وأن الزراعة في المناطق المحيطة بالمنازل أنتجت طعاماً يكفي لتلبية احتياجاتهن اليومية؛ كما أن المزارع التعاونية ضمت أيضاً نساء من المجموعات الرعوية والمجموعات الزراعية مما خلق وحدة اجتماعية أقوى وسهّل من النقاشات الخاصة بإدارة الموارد الطبيعية.
وقالت حواء عبدالله "لقد استفدنا كثيراً من برامج التدريب كما استفدنا أيضاً من النصائح التي قدمها لنا الخبراء" وأضافت "نحن الآن نعرف تقنيات الزراعة، والمسافة المطلوبة لبذر البذور وغيرها من المهارات التي تزيد من طاقاتنا".
و من زاوية أخري فقد ساعد البرنامج بشكل غير مباشر الي تخفيف النزاعات التي تنتج من جراء التغير المناخي. لقد تصاعدت درجة التوتر بين المزارعين والرعاة خلال السنوات الأخيرة حول الأراضي والموارد المحدودة ووفقاً لمركز الرهد للتوسط في النزاعات وبناء السلام فإن 9 نزاعات دموية قد وقعت خلال الفترة بين يوليو 2016 وابريل 2018 مما تسبب في مقتل 24 شخصاً.
وبسبب المحظورات الثقافية فإن النساء ظللن يعانين من الإقصاء والإبعاد من اجتماعات الجودية. لكنهن الآن، مع بروز مجتمعات محلية يغلب عليها وجود النساء فقد صرن راعيات لأسرهن ومعيلات لها واكتسبت مشاركة النساء في الحكومات المحلية مكانة مرموقة.
ومن خلال المشروع استطاعت النساء، ولأول مرة، قيادة المنتديات لتشجيع الحوار بين المزارعين والرعاة حول الموارد الطبيعية وكيفية إيجاد حلول لأكثر المشاكل البيئية الحاحاً. وبعد نهاية المشروع أصبحن يشاركن بشكل منتظم كجزء أساسي في كل مراحل التفاوض واجتماعات الجودية. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم إنشاء هيئة مجتمعية جديدة لبناء السلام تُسمى اللجنة الفرعية لإدارة الموارد الطبيعية التي تتشكل من 8 نساء و 4 رجال ونتيجة لذلك فإن نسبة طاقات النساء المبذولة جعل المقارنة بين النساء والرجال قد تشهد تحولاً راديكالياً مما جعل 100% من أفراد المجتمع المحلي المشاركين في الدراسة يوافقون على أن للنساء دور هام يلعبنه في حل النزاعات المتعلقة بالموارد الطبيعية.
وقالت هيلي "في الحقيقة، لم نفهم ما إذا كانت التحولات الاجتماعية قد حدثت بسبب التغيّر المناخي". وأضافت " كثيراً ما نتحدث عن أن التغيير المناخي يقود إلى النزاعات وأن تلك السردية معروفة نسبياً. لكن فهم النقلات الاجتماعية التي تحدث وتزيد من تأنيث المجتمعات على أرض الواقع لم يكن أمراً وشيك الوقوع".
وعقب نهاية المشروع قامت النساء المحليات بمبادرة منهن بتحريك مجتمعاتهن والسلطات المحلية لزراعة 6000 شجرة للمساعدة أكثر في مكافحة تدهور التربة.
وقد أظهر المشروع بوضوح أنه في سياق التغير المناخي تُعتبر الموارد الطبيعية هي بوابة العبور القوية لاستيعاب النساء في عمليات بناء السلام وأن دمج النساء يمكن أن يقود إلى سلام مستدام. وقالت سبيل الحاج حسن، العضوة في رابطة السلام المحلية "أن للنساء حاجة لمعرفة أدوراهن في المحافظة على الموراد الطبيعية مثل المياه والمرعى والأرض الزراعية: " وأضافت "أنهن في حاجة لتعلم كيفية حل النزاعات الصغيرة التي تنشأ [بسبب ندرة الموارد]".
ويُعتبر المشروع أول مشروع تجريبي قام بتنفيذه البرنامج المشترك عن النساء والموارد الطبيعية والسلام وهناك مشروع تجريبي آخر مستمر في كولومبيا مع عمل آخر مخطط لعمله مستقبلاً في منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا وفي منطقة الساحل (Sahel). وهناك منصة المعرفة حول الجندر والموارد الطبيعية والمناخ والسلام على شبكة الانترنت والتي تم اطلاقها أيضاً لربط الممارسين والباحثين وصُنّاع السياسة لتقاسم المصادرالمتصلة بالتمايز الجندري والموارد الطبيعية.