تعهد القائمون على دورة الألعاب الأولمبية التي افتتحت الأسبوع الماضي في باريس، فرنسا، بأن تكون هذه الدورة هي الدورة الأكثر مراعاة للبيئة في تاريخ الألعاب الأولمبية.
من بين أمور أخرى، يقول المنظمون إن الألعاب ستُدار بالكامل من خلال استخدام الطاقة المتجددة، وستتميز في الغالب بتقديم الأغذية المزروعة محليا وستقلل من كمية المواد البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة والتي استخدمت بصورة كبيرة خلال دورة الألعاب الأولمبية السابقة.
ويقول المراقبون إن الألعاب الرياضية ستكون بمثابة اختبار حاسم لما إذا كانت دورة الألعاب الأولمبية التي تعد أكبر الأحداث الرياضية في العالم، والتي تعرضت لانتقادات بسبب تأثيرها على البيئة، قادرة حقا على الوفاء بوعودها بأن تكون أكثر دورات الألعاب الأولمبية استدامة.
وقالت سوزان جاردنر، مديرة فرع النظم الإيكولوجية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة: ’’من خلال التخطيط الصحيح، يمكن للأحداث الرياضية الكبرى مثل دورة الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم أن تكون نموذجا مضيئا لكيفية تعايش البشرية في وئام مع الطبيعة‘‘.
وتحدثنا مؤخرًا مع جاردنر، التي تعمل في لجنة الاستدامة والإرث التابعة للجنة الأولمبية الدولية، حول كيف يمكن للرياضة أن تساعد في مواجهة التدهور السريع للعالم الطبيعي. وفيما يلي مقتطفات من تلك المحادثة معها.
تعد دورة الألعاب الأولمبية لهذا العام هي الدورة الأولى منذ انضمام اللجنة الأولمبية الدولية إلى مبادرة الرياضة من أجل الطبيعة التي يدعمها برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وقد أطلقت هذه المبادرة في عام 2022، وتوفر خطة عمل للرياضات على جميع المستويات لكي تصبح أفضل في الحفاظ على الطبيعة. لماذا هذا مهم؟
سوزان جاردنر: في الوقت الحالي، تضع الأنشطة البشرية النظم الإيكولوجية تحت ضغط هائل، مع وجود عدد متزايد من الأنواع التي تواجه احتمال الانقراض بسبب تأثيرات فقدان الطبيعة وتغير المناخ والتلوث.
إن إنهاء هذه الأزمة يتطلب جهودا متضافرة من جانب العديد من الجهات الفاعلة الكبرى، مثل الحكومات والأعمال التجارية. ولكن الاتحادات الرياضية لها دور تلعبه أيضا. فعلى أقل تقدير، لديها التزام بعدم إلحاق الضرر بالبيئة. وفي أفضل حالاتها، يمكنها المساعدة في الإلهام لإنشاء حركات جديدة من أجل الطبيعة، وتشجيع مليارات من أتباعها على حماية الكوكب وإصلاحه.
كيف يمكن للألعاب الرياضية أن تساعد في مواجهة أزمة الطبيعة؟
سوزان جاردنر: لدى مبادرة الرياضة من أجل الطبيعة خطة بسيطة تتألف من أربع نقاط تركز على الحفاظ على الطبيعة، وإصلاح ما فقدته، والحد من استنزاف موارد الطبيعة من خلال المشتريات الأكثر استدامة، وإلهام اللاعبين والمشجعين للمشاركة.
وتقوم الألعاب الرياضية بهذه الأشياء من خلال مجموعة من الطرق، بما في ذلك تزويد الرياضة بالموارد، واستضافة الأحداث والحلقات الدراسية الشبكية.
هل أصبحت الرياضة أكثر استدامة؟
سوزان جاردنر: أصبحت الاستدامة مهمة بشكل متزايد للرياضة. ولكن مع ذلك، غالبا ما تكون أقسام الاستدامة قليلة الموارد ومثقلة بالمهام، مما يعني أنه على الرغم من إحراز التقدم، فإن الوتيرة أبطأ مما يتمنى الكثيرون.
ومع ذلك، بدأت العديد من الاتحادات الرياضية في اتخاذ خطوات ملموسة لتخفيف بصمتها على الطبيعة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك اللجنة الأولمبية الدولية، التي وضعت خطة لدمج الاستدامة في الألعاب الأولمبية وتوفير فوائد دائمة للدول المضيفة ومواطنيها.
وقد تجلى هذا بالفعل هذا العام. ففي باريس، أطلق المسؤولون المدنيون حملة بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي لتنظيف واستعادة نهر السين، الذي كان غير صالح للسباحة لأكثر من 50 عاما.
وهناك مثال آخر يتمثل في اتحاد كرة القدم الرجبي العالمي. فقد وضع الاتحاد خطة من عشر نقاط للحفاظ على الطبيعة، والتي يتم مشاركتها مع الأندية في مختلف أنحاء أوروبا والمحيط الهادئ. وأخيرًا، ساعدت حركة الرياضة من أجل العمل المناخي، بدعم من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، العديد من الرياضات على تقليل انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي وحققت نتائج مبهرة.
ما هي التأثيرات التي أحدثتها مبادرة الرياضة من أجل الطبيعة حتى الآن؟
سوزان جاردنر: إنها مبادرة وليدة، لذا في حين لا يمكننا الحكم عليها بعد، إلا أنها تحرز تقدماً ووقع عليها 62 طرفا. وتتخذ العديد منها إجراءات لدعم خطة التنوع البيولوجي، وهي اتفاقية عالمية بارزة لحماية العالم الطبيعي وإصلاحه.
وتعد مبادرة الرياضة من أجل الطبيعة شراكة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة واللجنة الأولمبية الدولية واتفاقية التنوع البيولوجي، بدعم من مؤسسة دونا بيرتاريلي للأعمال الخيرية. ويعمل هذا النهج التعاوني بشكل جيد ولكن بالنسبة للعديد من الرياضات، يعد هذا مجالا جديدا لم يُفهم بصورة كاملة بعد. ونأمل أن نغير ذلك في الأشهر المقبلة. لأنه بفضل نطاقها وتأثيرها المذهلين، يمكن للألعاب الرياضية على مستوى العالم أن يسلط الضوء على أهمية حماية أنظمتنا الإيكولوجية بالنسبة للكوكب.
ما هي الخطوات العملية التي يمكن للمنظمات الرياضية اتخاذها لحماية الطبيعة وإصلاحها؟
سوزان جاردنر: تعتمد الرياضة على النظم الإيكولوجية التي تمارس فيها الرياضة، ولكن في كثير من الأحيان في البيئات الحضرية، لا يوجد للطبيعة موطن. ولا يجب أن يكون الأمر كذلك. يمكن لمسؤولي الرياضة دمج العناصر الطبيعية في الأماكن، مثل الأسطح الخضراء وصناديق الحشرات، وتصميم ملاعب التدريب بحيث تكون مهيئة لتوفير الموائل للأنواع المحلية.
عند اختيار الأماكن للرياضات الخارجية، مثل التزلج على الجليد وركوب الأمواج وركوب الدراجات، يمكن لقادة الرياضة تجنب المناطق الحساسة بيئيا. ويمكنهم أيضًا ضمان حماية المناظر الطبيعية التي يستخدمونها.
’’بفضل نطاقها وتأثيرها المذهلين، يمكن للألعاب الرياضية على مستوى العالم أن يسلط الضوء على أهمية حماية أنظمتنا الإيكولوجية بالنسبة للكوكب‘‘.
يشهد العالم أزمة كوكبية ثلاثية تتمثل في تغير المناخ، وفقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي، والتلوث والنفايات. كيف يؤثر هذا على عالم الرياضة؟
سوزان جاردنر: تؤثر هذه الأزمة على الرياضة من نواح عديدة. على سبيل المثال، تؤثر الحرارة الشديدة وتلوث الهواء على صحة الرياضيين وتتسبب في الفوضى في جدولة المسابقات. ويؤدي تغير المناخ إلى طقس أكثر شدة، مع ظواهر أخرى مثل الفيضانات التي تهدد الأماكن الرياضية والبنية الأساسية الأخرى المرتبطة بالأحداث. ومن المؤسف أن هذه التأثيرات ستزداد فحسب، مع عواقب أكثر مأساوية على المجتمعات المعرضة لخطر تغير المناخ، ما لم نتحرك بشكل عاجل الآن.
هل يمكن للطبيعة أن تساعد في مواجهة هذه التهديدات؟
سوزان جاردنر: نعم. يمكن للطبيعة أن تكون حليفًا حقيقيًا في دعم الرياضة والمساعدة في ازدهارها. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي غرس الأشجار حول الملاعب إلى زيادة التبريد. ويمكن لإصلاح الأراضي الرطبة، التي تنظم توفر المياه، أن تعزز المرونة وتحمي الملاعب من التعرض للفيضانات. كما يسمح تنظيف الأنهار باستعادة هذه الأراضي لخصائصها كي تصبح أماكن رياضية يمكن استخدامها مرة أخرى. ومن خلال القيام بهذه الأشياء، يمكن لعالم الرياضة أن يقدم نموذجًا لكيفية حماية الطبيعة وإصلاحها، وأن يكون بمثابة نموذج يحتذى به للحكومات والأعمال التجارية والأفراد في كل مكان.
إن الأزمة التي تواجهها الطبيعة هي أزمة ذات طابع مُلح. ونحن بحاجة إلى أن يعمل الجميع، بما في ذلك عالم الرياضة، معًا لحماية أنظمتنا الإيكولوجية.
الرياضة من أجل الطبيعة
الرياضة من أجل الطبيعة هي مبادرة مشتركة بين الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، واللجنة الأولمبية الدولية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وأمانة اتفاقية التنوع البيولوجي، ومؤسسة دونا بيرتاريلي الخيرية. وهي تهدف إلى تقديم عمل تحويلي لحماية الطبيعة وإصلاحها من خلال الألعاب الرياضية، بحلول عام 2030 وما بعده. وهي توفر خطة عمل للرياضة - على جميع المستويات - لتسريع وإلهام الآخرين لاتخاذ إجراءات من أجل حماية الطبيعة.
خطة التنوع البيولوجي
يشهد الكوكب تدهورًا خطيرًا يؤثر على الطبيعة. حيث يتعرض مليون نوع للخطر، وتتدهور سلامة التربة وتجف مصادر المياه. وتحدد خطة التنوع البيولوجي، المعروفة سابقًا باسم إطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي، أهدافًا عالمية لوقف وعكس فقدان الطبيعة بحلول عام 2030. وقد اعتمدها زعماء العالم في ديسمبر/كانون الأول 2022. ولمعالجة محركات أزمة الطبيعة، يعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة مع الشركاء لاتخاذ إجراءات في مجال المناظر الطبيعية والمناظر البحرية، وتحويل أنظمتنا الغذائية، وسد الفجوة المالية للطبيعة.