يقف عبد الله إبراهيم العيسى على نتوء صخري في منتزه ثادق الوطني في المملكة العربية السعودية، وهو امتداد مترامي الأطراف من الأراضي القاحلة شمال عاصمة البلاد، الرياض.
يطلّ العيسى، مدير المنتزه، من حيث يقف على مدرّجات شديدة الانحدار تصطف على جانبيها الشجيرات المزروعة بعناية والأشجار الصغيرة، وهي جزيرة نادرة للخضرة حوّلت هذا المكان من صحراء إلى بقعة طبيعية يتردّد إليها الزوّار.
ويقول العيسى: ’’لقد نشأت في هذه المنطقة، ومنذ طفولتي رأيتها تتدهور وتصبح متصحرة‘‘. ’’ولكن من خلال مشاريع التشجير والحماية والرعاية فقد تغيرت المنطقة تماما‘‘.
وتضمّن إصلاح هذا المنتزه الذي تبلغ مساحته 600 كيلومتر مربع ، والمعروف بوديانه الواسعة، زراعة 250،000 شجرة ومليون شجيرة. كما قامت أطقم العمل ببناء سدود متدرجة لجمع مياه الأمطار المتناثرة في المنطقة.
ويعدّ إصلاح منتزه ثادق الوطني جزءا من خطة أوسع للمملكة العربية السعودية لإعادة تخضير مساحات شاسعة من الصحراء في الداخل والخارج. وتهدف هذه الحملة إلى معالجة الجفاف والتصحّر وتدهور الأراضي، التي تهدّد البلدان في جميع أنحاء غرب آسيا وشمال أفريقيا.
ثلاثة أرباع الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة متدهورة بالفعل، ويعاني 60 في المائة من السكان بالفعل من ندرة المياه، وهو رقم من المتوقّع أن يزداد بحلول عام 2050.
"الأرض هي ركيزة أساسية للحياة، ومثلها مثل المحيط والمناخ، هي أمر حيوي للحفاظ على الحياة على الكرة الأرضية"، يقول أسامة إبراهيم فقيهة، نائب وزير البيئة في المملكة العربية السعودية.
وفي 5 يونيه/حزيران، ستستضيف المملكة العربية السعودية اليوم العالمي للبيئة لعام 2024، وهو احتفال سنوي بالأرض يركز هذا العام على التصحر وتدهور الأراضي والقدرة على الصمود في مواجهة الجفاف.
أكثر من ملياري هكتار من أراضي العالم متدهورة ، مما يؤثر على نصف سكان العالم ، ويهدّد أنواعا لا حصر لها.
يقول الخبراء إن مواجهة موجات الجفاف الشديدة والطويلة الأمد والعواصف الرملية وارتفاع درجات الحرارة تقتضي إيجاد طرق لمنع الأراضي الجافة من أن تصبح صحراوية، ومصادر المياه العذبة من التبخر، والتربة الخصبة من التحول إلى غبار، وهو أمر بالغ الأهمية الآن.
والمملكة العربية السعودية، حيث أدى التطور السريع وزيادة رعي الماشية إلى تدهور الأراضي، جعلت مكافحة التصحر أولوية.
تهدف مبادرة السعودية الخضراء، التي أطلقت في مارس 2021، إلى تحويل 30 في المائة من أراضي المملكة العربية السعودية إلى محميات طبيعية، وزراعة 10 مليارات شجرة، وإصلاح 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
وقد زرعت البلاد حتى الآن 70 مليون شجرة، بهدف الوصول إلى 400 مليون بحلول عام 2030، كما يقول خالد العبد القادر، الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر في المملكة العربية السعودية.
تقول سوزان غاردنر، مديرة فرع النظم الإيكولوجية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة :"تظهر مبادرة السعودية الخضراء الإمكانات الهائلة لرأس المال الثقافي والحكمة التقليدية لإدارة البيئة الطبيعية". وتكتسي هذه النهج، الراسخة في التقاليد والمصمَّمة خصيصا للسياق المحلي، أهمية حيوية في منطقة تواجه ضغوطا متعدّدة تؤدي إلى تدهور الأراضي والتصحّر".
ومن خلال مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، تقود المملكة العربية السعودية الجهود لزراعة 40 مليار شجرة إضافية في جميع أنحاء المنطقة بهدف الحد من تآكل التربة، وحماية التنوع البيولوجي، والتخفيف من آثار تغيّر المناخ. ويمثل هدف ال 50 مليار شجرة مجتمعة خمسة في المائة من الهدف العالمي للتشجير، وما يعادل إصلاح 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
كما دخلت المملكة العربية السعودية في شراكة مع مجموعة الدول العشرين واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر لإطلاق المبادرة العالمية لمجموعة العشرين في مجال الأراضي ، والتي تهدف إلى خفض التدهور بنسبة 50 ٪ بحلول عام 2040. كما ستستضيف المملكة العربية السعودية المؤتمر السادس عشر للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه لحظة محورية في الجهود العالمية لإنهاء تدهور الأراضي.
وعلى الصعيد العالمي، تعهدت البلدان بإصلاح مليار هكتار من الأراضي وهي مساحة أكبر من الصين، في إطار عقد الأمم المتحدة لإصلاح النظم الإيكولوجية. ولكن إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فستحتاج 1.5 مليار هكتار إلى إصلاح لهدف تحقيق التعادل في تدهور الأراضي لعام 2030.
وتقول غاردنر من برنامج الأمم المتحدة للبيئة: "تقدم أنشطة حماية الأراضي وإصلاحها نتائج إيجابية للتنوّع البيولوجي بالإضافة إلى فوائد متعدّدة للناس، بما في ذلك الأمن المائي والغذائي والصحة العامة والرفاه والتخفيف من وطأة المناخ والتكيّف معه".
وبالعودة إلى منتزه ثادق الوطني، استفاد العيسى وغيره من دعاة الحفاظ على البيئة من عودة الطيور إلى المنطقة، التي شهدت هجرة جماعية للحيوانات مع اشتداد التصحر.
حوالي 100 مسطبة مائيّة مسوّرة، تمتد مثل المدرّجات إلى أسفل الوديان، تجمع مياه الأمطار للحفاظ على الشجيرات والشتول خلال الصيف الشديد الحر. كما أنها تمنع امطار الشتاء الغزيرة من جرف التربة المنتِجة.
ويقول العيسى: "لقد ورثنا المدرجات المائية من أسلافنا منذ حوالي 400 عام". "لقد استخدمنا هذه التقنية في المنتزه، ونحقّق بفضلها نتائج ممتازة في زيادة المياه السطحية."
مع التركيز على الحلول القائمة على الطبيعة لإصلاح الأراضي المتدهورة، واصل المنتزه زراعة الأشجار في المشاتل، وزراعة الأنواع المحلية في الغالب.
ويقول العيسى: ’’آمل أن نتمكن من مضاعفة عملنا ونتائجنا، وزيادة وتيرة التشجير وتكرار الإنجاز في مناطق أخرى‘‘.
يُعد اليوم العالمي للبيئة الذي يُحتفل به في 5 يونيه/حزيران بمثابة أهم الأيام الدولية للاحتفال بأهمية البيئة. وقد نما الاحتفال بهذا اليوم الذي يُحتفل به سنويا منذ عام 1973 بقيادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ليصبح أكبر منصة عالمية للتواصل البيئي، حيث يشارك ملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم لحماية كوكب الأرض. و يركز اليوم العالمي للبيئة في عام 2024 على إصلاح الأراضي والتصحر والقدرة على الصمود في مواجهة الجفاف.